إصلاح أنظمة الرعاية الطويلة الأجل دليل للنقابات

Download PDF
Share

إصلاح أنظمة الرعاية الطويلة الأجل
دليل للنقابات

إصلاح أنظمة الرعاية الطويلة الأجل  دليل للنقابات

يساعد هذا الدليل النقابات على فهم المؤشرات الأساسية للرعاية الجيدة النوعية ومبادئ العمل اللائق في قطاع الرعاية الطويلة الأجل بغية المُطالبة عن وجه حقّ بإصلاحه.

Table of contents

وقد نشر الاتحاد الدولي للخدمات العامة تقريرًا مستقلاً جديدًا وشاملاً بعنوان "العمل اللائق وأنظمة الرعاية الطويلة الأجل الجيدة النوعية".

أمّا الدليل التالي فيلخّص التقرير المذكور أعلاه، ويعرض المبادئ والمؤشرات الأساسية التي تساهم في توفير الرعاية الجيدة النوعية والعمل اللائق في قطاع الرعاية الطويلة الأجل.

التقرير الكامل والمراجع متوفّرة هنا (باللغة الإنكليزية حصرًا.)

الغرض من هذا الدليل

يشكّل هذا الدليل مرجعًا للنقابات العمالية، ويعرض أفكارًا معمقّة قائمة على الأدلة تدعو إلى إجراء إصلاحات عملية في قطاعات الرعاية الطويلة الأجل الوطنية. ويتخطّى الدليل في مجالات تركيزه أنظمة الرعاية الطويلة الأجل القائمة في بلدان الشمال فيشمل المشهد المتطور لخدمات الرعاية الطويلة الأجل ونظمها في بلدان الجنوب.

ولا يقدّم محتوى الدليل أمثلة عن النماذج والإصلاحات الناجحة التي تدعم العمال عند تقديم خدمات الرعاية الطويلة الأجل الخاضعة للمساءلة والعالية الجودة فحسب، بل يحدّد أيضًا الفرص المتاحة أمام الاتحاد الدولي للخدمات العامة ونقاباته المنتسبة في إطلاق الحملات والمفاوضة والرسائل العامة.

ما هي الرعاية الطويلة الأجل؟

يشمل قطاع الرعاية الطويلة الأجل خدمات الرعاية المنزلية والخدمات التي توفّرها المرافق السكنية، بما في ذلك أعمال الرعاية المدفوعة الأجر وأعمال الرعاية غير المنظّمة والأسرية وغير المدفوعة الأجر التي يوفّرها أفراد الأسرة. ويشمل أيضًا خدمات رعاية المسنّين وخدمات رعاية ذوي الإعاقة والخدمات الصحية للمصابين بأمراض مزمنة، مع التركيز بشكل أساسي على رعاية كبار السن.

أما القطاعان الفرعيان الرئيسيان للرعاية الطويلة الأجل لكبار السن فهما الرعاية في المرافق السكنية أو في دور الرعاية وخدمات الرعاية المنزلية المنظّمة. ويقرّ التقرير بالدور الحاسم ’للرعاية الأسرية‘ أو الرعاية غير المدفوعة الأجر، التي تقوم بها النساء في أغلبيتها. وعلى الرغم من أنّ الرعاية الأسرية تشكّل المصدر الرئيسي لدعم كبار السن على المستوى العالمي، فهي تواجه تحديات جمّة نتيجة التحولات الديموغرافية التي تسبّبها الهجرة إلى الخارج وزيادة مشاركة الإناث في القوى العاملة. وقد أدى المشهد المتغيّر إلى ارتفاع نسبة الخدمات المنظّمة التي تقدمها الدولة والتلزيم إلى القطاعات الربحية وغير الربحية في العديد من بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

المبادئ الأساسية للرعاية الجيدة النوعية

يحدد التقرير ستة مبادئ رئيسية كأساس تترسّخ فيه أنظمة العمل اللائق والرعاية الطويلة الأجل الجيدة النوعية.

الرجاء الضغط على العناوين التالية للاطلاع على ملخص عن كلّ مبدأ:

المبدأ 1: تمويل عام يغطي تكاليف الرعاية

  • ينبغي اعتماد السياسات المناسبة وتخصيص التمويل المطلوب على الصعيدين الوطني والإقليمي بهدف القضاء على جني الأرباح من الرعاية الطويلة الأجل الممولة من قبل القطاع العام. ويجب أن يغطي التمويل العام التكلفة الكاملة للرعاية، مع استناد توفير الخدمات إلى الحاجة بدلاً من الأهلية المالية.

المبدأ 2: توفير الرعاية من قبل القطاع العام أو مؤسسات غير ربحية

  • إنّ أفضل شكل من أشكال الرعاية الطويلة الأجل هي تلك التي يوفّرها القطاع العام مباشرة، الذي يوظف العمال مباشرة. فانخراط القطاع الخاص يولّد أرباحًا مفرطة ورعاية رديئة نوعية، تمامًا كما بيّنته جائحة كوفيد-19، مع انخفاض القدرة على التعامل مع حالات الطوارئ. فقد سجّلت المرافق السكنية الربحية معدلات وفيات أعلى بكثير من نظيراتها من القطاع العام وتلك غير الربحية، بسبب خفض الإنفاق على العمال ومستخدمي الخدمات.

المبدأ 3: الإشراف من قبل القطاع العام

  • إنّ الرعاية الطويلة الأجل هي منفعة عامة. ويتطلّب الإشراف من قبل القطاع العام أن تبذل الحكومات كلّ جهد ممكن صونًا للمصلحة العامة، وبغيبة رصد وتقييم وإنفاذ الرعاية الجيدة النوعية والعمل اللائق على مستوى النظام ككل وعلى المستوى التنظيمي، بغض النظر عن توفير الخدمات. وعندما يوفّر عمال القطاع العام الرعاية الطويلة الأجل مباشرة، تأتي النتائج عالية الجودة. وعندما يتم تلزيم الخدمات إلى دور رعاية خاصة غير ربحية وربحية، على الحكومة أن تضمن التعاقد الفعال بغية مراقبة إنفاق الأموال العامة ومدى امتثال مقدمي الخدمات.

المبدأ 4: شفافية البيانات العامة والمساءلة

  • لدعم نظام الإشراف من قبل القطاع العام، يجب إنشاء آليات مساءلة عامة عن التمويل الحكومي. ويجب الإبلاغ عن البيانات علنًا، بما في ذلك البيانات المتعلقة بامتثال نظام الرعاية الطويلة الأجل على المستوى التنظيمي والقوى العاملة ونوع عقود العمل وأداء المتعاقدين وجودة الرعاية المقدمة. ومن أجل إجراء التحسينات على مستوى النظام ككلّ وتحقيق نتائج عالية الجودة بالنسبة إلى متلقي الرعاية، على مقدمي الرعاية خلق ظروف العمل اللائق والإبلاغ عن الأداء علنًا، وإتاحة البيانات للتدقيق المستقل. كما يجب أن يتمتع أولئك الذين يقدمون خدمات الرعاية الطويلة الأجل بأقصى قدر ممكن من الشفافية في عملياتهم وبيانات نتائجهم لأن التعاقد على الخدمات مع هيئات ربحية يثير أسئلة بارزة في ما يتعلق بالمساءلة عن إنفاق الأموال العامة.

المبدأ 5: ظروف العمل اللائق

  • تشمل ظروف العمل اللائق في الرعاية الطويلة الأجل معدّلات أجور وساعات عمل كافية ويمكن تقديرها لتوفير أجر كفاف يمكّن العمال من التمتع بالكرامة في العمل، وإعالة أنفسهم وأسرهم، ويمدّهم بالقدرة على الانخراط الكامل في الحياة خارج ساعات العمل بأجر. وفي الرعاية الطويلة الأجل، تشمل ظروف العمل اللائق أيضًا عقود عمل المضمونة مع إمكانية الوصول إلى عمل بدوام كامل في حال رغب العمال بذلك؛ وتسديد أجور عن جميع أوقات العمل، بما في ذلك تحصيل الوثائق والتنقّل بين المرضى؛ والحصول على إجازة مدفوعة الأجر واستحقاقات التقاعد؛ والتدريب الممتاز والوصول إلى مسارات وظيفية مجدية وظروف عمل آمنة.

المبدأ 6: الكرامة في الرعاية

  • بغض النظر عن المكان، فإن الاتساق في الرعاية، الذي يُعرَّف بأنه ضمان حصول عمال الرعاية الطويلة الأجل على الوقت الكافي للتعرف على المستفيد من الخدمة وما يفضّله وما يحتاج إليه، أمر بالغ الأهمية لصون الكرامة. وتعتمد الكرامة في الرعاية أيضًا على الحصول على الرعاية على يدّ عمال مدربين تدريبًا ملائمًا ومهرة ومدعومين. كما أنّ القدرة على اختيار نوع الرعاية المرغوب فيها والمرونة في وقت تلقيها أمران بالغا الأهمية.

اتّجاهات القطاع الأساسية

التسليع والعمل والعمالة في الرعاية الطويلة الأجل

الرجاء الضغط على العناوين التالية للاطلاع على الاتجاهات البارزة في القطاع:

التسليع في الرعاية الطويلة الأجل

اتبعت عملية تسليع الرعاية الطويلة الأجل مسارًا مشابهًا، وإن لم يكن متطابقًا، في مجموعة من البلدان المختلفة في بلدان الشمال. وتأثرت الاستراتيجيات الرامية إلى تسليع توفير الرعاية الطويلة الأجل بأفكار الإدارة العامة الجديدة. وتشجع الإدارة العامة الجديدة، كما هو موضّح لا سيما في دراسات الحالة في أستراليا وكندا واسكتلندا، على التسليع وتنطوي على استبعاد القطاع العام (تفريغه) والتعاقد مع شبكات من مقدمي الخدمات من القطاع الخاص (ربحية) وشبكات تطوعية (غير ربحية) لتوفير الخدمات العامة واستخدام العمال، بدلًا من القطاع العام. أمّا الأساس المنطقي لهذا التلزيم إلى الخارج فمتعدد الجوانب ومستوحى من أيديولوجية خطّة الإدارة العامة الجديدة، التي تنطوي على ما يلي: عدم الاستدامة المالية المفترضة للخدمات التي تقدمها الدولة مباشرة؛ السعي لتحسين الجودة في الخدمات من خلال نقل ضوابط السوق والمخاطر ورميها على عاتق مقدمي الخدمات وقواهم العاملة؛ اعتماد تقنيات القطاع الخاص للإدارة والابتكار في الخدمات العامة؛ خفض التكاليف وفرض الكفاءة في تقديم الخدمات من خلال المنافسة؛ قُرْب أنواع محدّدة من مقدمي الخدمات (على غرار المؤسسات غير الربحية) من المرضى واحتياجاتهم؛ تقويض النطاق التنظيمي للنقابات العمالية والمفاوضة الجماعية؛ تآكل شروط وظروف عمل العاملين في مجال الرعاية في الخطوط الأمامية.

علاقات سلسلة توريد الخدمات العامة

تجلب أنظمةُ الرعاية الطويلة الأجل الخاضعة للتسليع ديناميكيات قوة خاصة تَطبعُ العلاقات بين مقدمي الرعاية من القطاع الخاص والمؤسسات غير الربحية من جهة والدولة من جهة أخرى، حيث يعتمد الأوّل على الثانية على مستوى الموارد. فقد تم ’تفريغ‘ القطاع العام تدريجيًا من الخدمات العامة التي اعتاد أن يقدّمها مباشرة، عبر عمليات التلزيم إلى الخارج تصبح الدولة، بالإضافة إلى كونها مزودًا للخدمات، عامل تمكين للآخرين لتوفير الرعاية الطويلة الأجل. وتنشئ الدولة، المركزية والإقليمية والمحلية على حد سواء، شبكات من مقدمي الخدمات من القطاع الخاص ومن المتطوّعين، وتديرها وتنسق عملها.

وقد ينطوي العديد من العلاقات بين الدولة ومقدمي خدمات الرعاية الطويلة الأجل على الكثير من المشاكل والتحديات. وتكشف حالات مثل تلك التي وقعت في اسكتلندا وكندا وأستراليا، كيف أن التمويل الحكومي نادرًا ما يأخذ في الاعتبار التكلفة الكاملة للرعاية أو الضغوط التضخمية. بالإضافة إلى ذلك، يرتبط التمويل بمؤشرات أداء أساسية صارمة قد تتطلب، عامًا بعد العام، تحقيق الكفاءة، وفي أوقات التقشف، قد تتطلب خفضًا في التمويل. ومنظمات مقدمي الرعاية ضعيفة بشكل خاص في العلاقات التي يكون فيها ممول واحد مهيمن على التمويل مع عدم وجود تمويل بديل أو في ظلّ محدودية الوصول إليه.

في ما يتعلق بالأمن والاستدامة، أدى الضغط المستمر الذي يمارسه المموّلون على المنظمات مقدمة الخدمات من أجل تحقيق وفورات وكفاءة، إلى انسحاب المنظمات من السوق إما جزئيًا إما كليًا، وبالتالي إعادة الخدمات إلى الحكومات. وقد تطورت عملية التسليع من خلال مزيج من الإدارة العامة الجديدة والقيم النيوليبرالية، وكذلك من خلال الحملات من أجل النهوض بحقوق الإنسان التي تنظّمها الحركة المعنية بذوي الإعاقة. وتتصاعد الدعوات المُطالِبَة بخدمات تضع تطلعات مستخدمي الخدمة وطموحهم في الصدارة. ويُنظر إلى المستفيد من الخدمة كمستهلك يعبر عن خياره الفردي، بما في ذلك نوع مقدم الخدمة (عام أو خاص أو تطوعي)، وصولًا إلى العامل الفردي حتّى. وتؤدي هذه الخطّة إلى اتخاذ قرارات بشأن التوقيت المحدد لتقديم الخدمة وعدد ساعاتها.

وقد زاد عدد من الدول (مثل أستراليا وفرنسا واسكتلندا) من تسليع خدمات الرعاية عن طريق اعتماد برامج تعزّز إضفاء الطابع الفردي أو ’الشخصي‘ على الرعاية، المعروفة باسم ’المال مقابل الرعاية‘. وفي هذا السياق، استحدثت الدول برامج للدفع، وبدلاً من أن تذهب الموارد مباشرة إلى مقدمي الخدمات التطوعية والخاصة، توضع الأموال في شكل ميزانيات شخصية بين يدَي الأفراد أو متلقي الرعاية. وصُمّمت هذه البرامج لتمكين متلقي الرعاية من اتخاذ خيارات في ما يتعلق بحياتهم بدلاً من تقديم الخدمات ’وفق نهج واحد يناسب الجميع‘، التي تقدمها الدولة أو مقدمو الرعاية.

النوع الاجتماعي وتقدير الرعاية بأقل من قيمتها الحقيقية

يديم التسليع تبخيس قيمة أعمال الرعاية وتقديرها بأقل من قيمتها على أساس النوع الاجتماعي، والتقسيم الجنساني للعمل والاستخفاف بمهارات المرأة في تقديم الرعاية. فالأجور في قطاع الرعاية الطويلة الأجل متدنية لأن النساء يشغلنها بأغلبية ساحقة ولأن أعمال الرعاية مرتبطة بالدور الجنساني للمرأة، لا سيما الأمهات. وبالتالي، فإن مهارات مثل الرعاية والتعاطف تُعتبر من المسلمات التي لا تحظى بالتقدير الكافي. ويتواطأ ممولو خدمات الرعاية الطويلة الأجل، سواء الدولة أو وكالات القطاع العام، في التخفيف من قيمة عمل المرأة من خلال عدم تحديد التكاليف التي تشمل احتساب المهارات المرتبطة بخصائص العمل.

استخدام التكنولوجيا في الرعاية الطويلة الأجل

من المهم في أي مناقشة بشأن التسليع تسليط الضوء على دور التكنولوجيا الجديدة في تدابير خفض التكاليف والتقشف، والتقليل من قيمة الرعاية الصحية الطويلة الأجل. ففي نظم الرعاية الخاضعة للتسليع، توصف تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بأنها من أولويات تحقيق وفرات في التكاليف. وتفيد التقارير بأن المديرين الذين يقدمون الخدمات العامة ينظرون إلى التكنولوجيا كحلّ يمكن أن يحقّق الكفاءة ووفرات في التكاليف ويساهم في إدخال أشكال جديدة من الرقابة التي تقلّل من حرية تصرف العاملين. وقد برزت ضرورة ملحة بين مقدمي خدمات الرعاية الصحية الطويلة الأجل لاعتماد هذه التكنولوجيات في السياقات التي تتطلب تحقيق وفرات في التكاليف.

في العام 2019، وجدت دراسة استقصائية شملت مديري الخدمات الاجتماعية المُقدَّمة في المملكة المتحدة للمستفيدين البالغين من الرعاية في منشآت الرعاية الطويلة الأجل المموّلة من القطاع العام، أن 96 في المائة منهم اعتبروا أن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات مهمّ في تحقيق وفورات في التكاليف. وفي الواقع، اعتُبرت التكنولوجيا من الوسائل الأساسية التي تمكّن الحكومات المحلية من الحفاظ على الخدمات القانونية على الرغم من التخفيضات الجذرية الناتجة عن التقشف في الميزانية (ADASS, 2019).

إن احتمال مواجهة العاملين في مجال الرعاية الطويلة الأجل تغييرات في عملهم، والتدهور المحتمل من إدخال التكنولوجيا، بالغان. فالتكنولوجيا تُعتَبَر جزءًا أساسيًا من الضغوط التي تولّد المزيد من انعدام الأمن وتكثيف العمل في مجال الرعاية الطويلة الأجل الخاضعة للتسليع.

كما أن تطبيق التكنولوجيا ينعكس آثارًا ضارة على متلقي الرعاية حيث أنهم يعانون من جديد من تناقص التفاعلات العلائقية وجهًا لوجه لصالح الحلول التكنولوجية، مثل أجهزة التحكم عن بعد وأجهزة الاستشعار والروبوتات. كما أن رصد الوقت الذي يقضيه المستخدم في منزله من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يقلّل من مقدار الاستقلالية التي يتمتع بها العاملون في الانخراط في العناصر الاجتماعية والعلائقية المرتبطة بالتعامل مع الفئات الأكثر ضعفًا.

تحقيق الأرباح من أنظمة الرعاية الطويلة الأجل من خلال الأمولة

في دراسات الحالة التي أُجريت في شيلي والهند، برز اهتمام ناشئ من جانب الشركات المتعدّدة الجنسيات بأنظمة الرعاية الطويلة الأجل المتطورة في البلدين. وهذه سمة أخرى من سمات الأنظمة الخاضعة للتسليع التي تساهم في ممارسات التوظيف غير المقبولة: استغلال القطاع من قبل الشركات الخاصة الكبرى المتعددة الجنسيات. وقد وجد بحث أجراه مؤخرًا كلّ من المركز الدولي للمساءلة والأبحاث الضريبية للشركات (CICTAR) وFédération Santé Action Sociale CGT وFédération CFDT Santé-Sociaux (2022)، أن شركة Orpea قد أثقلت دور الرعاية بمبالغ طائلة من الديون وتكاليف الإيجار الباهظة. ويتم ذلك من خلال قيام شركة Orpea ببيع دور الرعاية مع تحقيق أرباح طائلة ومن ثم إعادة استئجار العقارات من المالك الجديد. وتتم هذه المضاربة العقارية من خلال شبكة معقدة من 40 شركة فرعية تم تأسيسها في لكسمبورغ. ولا تشوب هذه المعاملات أي جوانب غير قانونية ولكن هناك دعوات لتحقيق المزيد من الشفافية (CICTAR, et al, 2022). وليست Orpea الشركة الوحيدة التي تعتمد هذه الممارسات. وهذا النوع من الأمولة شائع. فللمملكة المتحدة وحدها أصول للرعاية تبلغ قيمتها 245 مليار جنيه إسترليني، مع معاملات سنوية بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني على مدى السنوات الخمس الماضية (CICTAR, 2023).

وقد أدى تسارع عملية التسليع التي تسمح للممولين المهيمنين بترسيخ خفض التكاليف في صميم العلاقات مع مقدمي الخدمات، وتديم الاستخفاف بقيمة عمل المرأة على أساس النوع الاجتماعي، وتشجّع اعتماد التكنولوجيا التي تركّز على التحكم في التكاليف، وتسمح بأشكال استغلالية من الأمولة من قبل الشركات المتعددة الجنسيات، إلى ’سباق إلى الحضيض‘ على مستوى شروط وظروف العمل. وقد شهدت السنوات الأخيرة أيضًا اعتماد التمويل التقشفي في بعض بلدان الشمال (مثل اسكتلندا وكندا)، ما أدى إلى تسريع هذه الضغوط وتفاقمها.

ظروف العمل اللائق

في ما يلي موجز عن الاتجاهات الأساسية في ظروف العمل.

تراجع الرعاية الأسرية

هناك تداخلات بين التراجع في الرعاية الأسرية والاتجاهات نحو التسليع. فعلى الصعيد العالمي، تنخرط النساء في الأشكال الثلاثة لأعمال الرعاية الأسرية غير المدفوعة الأجر، أكثر بكثير من الرجال، حيث تقوم بـ80 في المائة من مجموع هذه الأعمال (ILO, 2019). ومساهمة أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر في الرعاية الطويلة الأجل أكثر وضوحًا في بلدان الجنوب. وفي موازاة ذلك، وتمامًا كما كشفته دراسات الحالة، فإن التركيبة السكانية المتغيرة بالإضافة إلى الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تشهد مرونة أكبر في الاعتماد التقليدي على هذا النوع من الأعمال. وتكشف كل حالة من الحالات في بلدان الجنوب كيف أن التصنيع والتوسع الحضري وزيادة فرص التعليم وتغير الاتجاهات السكانية وإنشاء سلاسل قيمة للرعاية العالمية، تخفّف من الاعتماد على الرعاية الأسرية. ومع أن هذه التغيرات أصبحت أكثر وضوحًا، إلا أن مبالغ كبيرة من الإنفاق في هذه الحالات (على سبيل المثال في فيجي وجنوب أفريقيا والهند) لا تزال مخصصة في المقام الأول إلى الخدمات الصحية للأمهات والأطفال الصغار. ومع ذلك، وعلى الرغم من ارتفاع الطلب، يكشف التدقيق في توفير خدمات الرعاية الطويلة الأجل في دراسات الحالات من بلدان الجنوب، ثغرات بارزة في التغطية.

بالإضافة إلى ذلك، ومع تفشّي أشكال التسليع من بلدان الشمال، يولّد تراجع الرعاية الأسرية الكثير من المخاطر التي تهدّد العاملين في مجال الرعاية الطويلة الأجل ومتلقي الرعاية في بلدان الجنوب. ويأتي أولها من نمو سلاسل القيمة العالمية للرعاية التي تؤدي إلى حلّ المهاجرين محل العمال المحليين من بلدان الشمال في ما يُنظر إليه على أنه أعمال رعاية متدنية القيمة. وبدورها، أدت تدفقات الهجرة من بلدان الجنوب إلى بلدان الشمال إلى نقص في العاملين في مجال الصحة والرعاية الطويلة الأجل في دول الشمال، ما أدى إلى نقص في الموارد المتاحة المحدودة أصلًا.

أمّا التهديد الثاني فينتج عن تقدّم سكان بلدان الجنوب في السنّ، بحسب ما بيّنته دراسات الحالة، التي كشفت كيف بدأت الشركات المتعددة الجنسيات في تحديد أسواق جديدة (في الهند وجنوب أفريقيا مثلًا). ومن دون تنظيم مناسب من جانب الدولة والتزامها بالانخراط في بناء نظام للرعاية الطويلة الأجل، تبقى الدول والعاملون ومتلقو الرعاية عرضة لاستراتيجيات الأمولة التي تعتمدها الشركات المتعددة الجنسيات المألوفة في بلدان مثل فرنسا وأستراليا واسكتلندا. ويهدّد نمو الأشكال الخاصة لتقديم الرعاية في بلدان الجنوب الجهود الموازية المبذولة للتنظيم، حيث تشير دراسات الحالة إلى ما يبدو أنه قوة عاملة غير منظّمة إلى حد كبير تعمل في ظروف تحاكي العمل غير مدفوع الأجر. وسيشكّل نمو نشاط الشركات المتعددة الجنسيات في بلدان الجنوب في مجال الرعاية الطويلة الأجل، على غرار ممارسات الأمولة، ومنها استخراج القيمة من المعاملات العقارية، وإنشاء أنظمة رعاية من مستويين وتدهور ظروف العمل، عملاً إضافيًا هائلًا بالنسبة إلى النقابات التي تقوم بحملات لتنظيم العمل غير المنظّم وغير المدفوع الأجر في مجال الرعاية الطويلة الأجل.

وظائف متردية النوعية في قطاع الرعاية الطويلة الأجل

الأجور وظروف العمل

بيّنت مجموعة من الدراسات حول تسليع الرعاية الطويلة الأجل أن الأجور وظروف العمل متدنية عامةً مقارنة مع المهن الأخرى، وتُصنَّف من بين المهن الأدنى أجرًا في معظم الاقتصادات. وخلُصت دراسة أجرتها منظمة العمل الدولية في العام 2017 إلى أن العاملين في الرعاية الطويلة الأجل يتلقون أجورًا منخفضة بشكل عام، ويتمتعون بظروف عمل أسوأ وضمان اجتماعي أقل من غيرهم من العاملين في مجال الرعاية. وعندما تصبح وظائف الرعاية متطلبة للغاية، ينتقل العاملون إلى قطاعات مماثلة أجورها منخفضة في قطاعَي البيع بالتجزئة والضيافة حيث قد يكون الأجر أفضل قليلاً و/أو مسؤولياتهم أقل. ووفقًا للمؤسسة الأوروبية لتحسين ظروف المعيشة (2020)، غالبًا ما يتقاضى العاملون في الاتحاد الأوروبي في مجال الرعاية الطويلة الأجل أجورًا أدنى بكثير من متوسط الأجور الوطنية، حيث تكون الأجور في القطاع الخاص أسوأ من الأجور التي يقدّمها مقدمي الخدمات من القطاع العام.

وفي جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، يبقى معدّل دوران العاملين في الرعاية الطويلة الأجل أعلى من القوى العاملة العامة.

ومن المثير للقلق أيضًا كيف قوّض التسليع معدلات الأجور عامةً مقارنةً مع معدلات الأجور في القطاع العام. وقد أدت عملية التسليع إلى تآكل الإعانات الأخرى التي كانت مماثلة لتلك التي يستفيد منها العاملون في القطاع العام الذين يقومون بوظائف مماثلة. ومنها مثلًا استحقاقات التقاعد والإعانات المرضية والإجازات وساعات العمل الإضافي وساعات العمل ليلًا أو خلال العطل ونهاية الأسبوع المدفوعة الأجر. كما تفيد تقارير أخرى بأن العاملين في مجال الرعاية لا يحصلون حتى على الحد الأدنى القانوني للأجور. وقد حدث هذا النقص في الأجور لأن المنافسة على الأسعار بين مقدمي الخدمات المتعاقدين تعني أن التمويل لم يكن كافيًا لتغطية التكاليف مثل وقت التنقّل بين مريض وآخر. والنتيجة هي أن العاملين في خدمات الرعاية المجتمعية الطويلة الأجل يتنقّلون دون أجر بين المستفيدين من الخدمة، ما يعني أن متوسط أجرهم في الساعة يقل عن الحد الأدنى القانوني. وتساهم التكنولوجيا في تدابير تحقيق وفرات في التكاليف هذه. كما تُستخدم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لمراقبة القوى العاملة، ومراقبة مدة زيارة كل مريض.

تقدّم مثل هذه الممارسات غير المقبولة المُطبَّقة في بلدان الشمال دروسًا واضحة للنشطاء في جميع النقابات المنتسبة إلى الاتحاد الدولي للخدمات العامة، الذين يسعَون إلى إضفاء الطابع الرسمي على وضع وظروف العاملين في خدمات الرعاية الطويلة الأجل وإخضاعهم لمبادئ الحد الأدنى للأجور. وقد يُطلب من العاملين في بعض خدمات الرعاية الطويلة الأجل المساهمة في أمور مثل شراء الزي الرسمي، وحتى الرسوم المرتبطة بالتدريب والمؤهلات المهنية. وينذر التآكل المطرد لظروف العمل في خدمات الرعاية الطويلة الأجل الخاضعة للتسليع بانتهاء علاقة العمل المعيارية، وأن كلّ ما يُعرض على العاملين هو معدل أساسي للأجور وبعض الالتزامات المتعلقة بالتدريب التمهيدي والتدريب والصحة والسلامة.

انعدام الأمن

قد يكون العمل والتوظيف في أنظمة الرعاية الطويلة الأجل الخاضعة للتسليع غير آمنَيْن. وقد ينبع عدم اليقين في التمويل من تغيّر الأولويات الحكومية والتقشف المالي. ويؤدي التقشف في تجديد التمويل الذي يواجه مقدمي الخدمات غير الربحية ومقدمي الخدمات من القطاع الخاص، في العديد من البلدان، إلى معدلات أعلى من المتوسط للعقود المؤقتة (في اسكتلندا مثلًا)، أو إلى تعريض مجموعات من العمال للتوظيف بموجب عقود غير مستقرة خلال مراحل محدّدة في دورة التمويل (في شيلي مثلًا).

وحدد ثلثي بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تقريبًا استبقاء العاملين في الرعاية الطويلة الأجل من بين التحديات السياسية البارزة.

في جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، تبلغ نسبة العمالة المؤقتة غير القياسية في قطاع الرعاية الطويلة الأجل ضعف النسبة تقريبًا التي يسجّلها قطاع الرعاية الصحية. وتكشف البيانات الواردة من أوروبا كيف أن عدد العاملين في القوى العاملة في قطاع الرعاية الطويلة الأجل الذين يبحثون عن وظيفة أخرى أعلى من العاملين في قطاع الصحّة، وأن أسباب ذلك مرتبطة بانعدام الأمن الوظيفي وعدم الرضا (OECD, 2022).

ويضيف إضفاء الطابع الفردي أو الشخصي على الرعاية الطويلة الأجل أبعادًا أخرى لانعدام الأمن. وتؤدّي مثل هذه المقاربات للرعاية إلى تكثيف ضغوط السوق حيث يُنظر إلى متلقي الخدمات على أنهم ’زبائن‘ لديهم خيارات، بما في ذلك اختيار من سيقدم الخدمة لهم. ومن جديد، يضيف ذلك عنصرًا من عدم الأمن إلى حياة الموظفين المهنية، حيث قد يتم نقلهم من موقع إلى آخر أو أنّهم قد يفقدون عملهم في حال لم يتوافق تمامًا مع متطلبات المستفيدين من الخدمة. وهناك أمثلة على موظفين تعرض أمنهم الوظيفي للتهديد في الظروف التي يطلب فيها مستخدمو الخدمة تغيير مقدمها في حال لم تتطابق خدماته مع متطلباتهم بشكل كامل.

تكثيف العمل

يبرز تكثيف العمل في طرق عديدة مختلفة في قطاع الرعاية الطويلة الأجل. فعدم تمويل وقت التنقل بين مريض وآخر بشكل كافٍ، وميل العمال إلى البقاء حتى انتهاء العمل، وبالتالي تجاوز الحدود الزمنية المحدّدة، يعني أنهم يقومون بعمل غير مدفوع الأجر. وكما هي الحال في دراسات الحالة في أستراليا وكندا واسكتلندا، فإن الطلب المتزايد على الخدمات، إلى جانب النقص في التمويل وفي الموظفين، يجتمعان لتكثيف العمل الملقى على كاهل العاملين. وتُظهر الدراسات المبكرة في قطاع الرعاية الطويلة الأجل كيف أن النقص في الموظفين يعني أنه من الشائع أن يعمل العاملون خلال فترات الراحة وأن ينجزوا ساعات إضافية بدون تقاضي أي أجر إضافي لقاءها. ومن الممارسات الشائعة الأخرى، أن يؤدّي النقص في الموظفين وغيابهم إلى قيام العمال المتوفّرين بنوبات عمل مضاعفة. وفي هذا الصدد أيضًا، يُنظر إلى هذه التضحيات والعمل غير المدفوع الأجر على أنه جزء من مرونة القوى العاملة في قطاع الرعاية، التي يغلب عليها عدد النساء. وتُقدَّم التضحيات تُقدم باسم مستخدم الخدمة، وتُعرَف بـ’الإيثار الإلزامي‘، وتتضمن هذه التضحيات افتراضات جنسانية ومسلّم بها بأن النساء سيقمن بعمل غير مدفوع الأجر.

كما أنّه لتكثيف العمل بسبب ارتفاع معدل الدوران أو الغياب، تكاليفه من حيث الجودة ورفاه الموظفين ومستخدمي الخدمات على حدّ سواء. فقد كشفت الدراسات أوّلًا أن العاملين الذين يعملون لساعات طويلة جدًا قد يعانون من ’الإرهاق‘ والإجهاد، ما يؤثر على صحتهم العقلية والجسدية. ويمكن أن تتسبّب هذه الحالة بالغياب، ما يضع مزيدًا من الضغوط على الخدمات التي تعاني أصلًا من نقص في الموظفين. ويمكن أن تتعرض الصحة الجسدية أيضًا لمخاطر آثار تكثيف العمل والإرهاق المصاحب له في الخدمات التي تتسم بسلوكيات صعبة، ما قد يولّد بدوره هفوات في التركيز فتؤدّي إلى اعتداءات جسدية على الموظفين. وتؤدي الوظائف الشاقة للغاية والتعرّض لعوامل الصحة البدنية والعقلية إلى انخفاض الرضا الوظيفي، كما أنّها من الأسباب الأساسية لانخفاض معدلات استبقاء القوى العاملة في مجال الرعاية الطويلة الأجل (OECD, 2022).

ضعف الدعم والتدريب وتنمية المهارات

يتعرّض الإشراف على العمال للخطر في هذه البيئات الخاضعة للتسليع. فعدم تسديد كامل الرسوم يعني أنّ الوقت المخصص للتفاعلات المباشرة والمنظّمة وجهًا لوجه (أو الرقمية) بين العاملين في الخطوط الأمامية والمشرفين عليهم/ مديريهم المباشرين، يتقلص. ويُنظر إلى الإشراف المنتظم والكافي على أنه أحد العناصر الأساسية في تزويد العمال بالدعم الذي يحتاجون إليه للعمل في بيئات صعبة. ومع ذلك، فإن الأنظمة الخاضعة للتسليع والضغوط المستمرة على التكاليف لا تسمح إلا بتمويل محدود للوقت المخصص إلى العاملين والمشرفين عليه للالتقاء معًا والانخراط في الأنشطة الإشرافية المطلوبة. وقد تكرر هذا الاستخفاف بقيمة الإشراف وما يتبعه من ثغرات على مستوى الدعم في أستراليا. كما ذكرت الدراسة كيف أن المنظمات تضمّ عددًا أقل من المديرين المباشرين، وبالنسبة إلى من بقي منهم فهه يعانون بسبب توسيع نطاق المجال الخاضع لهم، ما يعني وقتًا أقل للإشراف. وبشكل عام، فإن محدودية الوصول إلى التدريب على الإشراف وما إلى ذلك يعني أن العديد من العاملين في أنظمة الرعاية الخاضعة للتسليع يعملون من دون التمتّع بالكفاءة الكاملة المطلوبة في المواقف الخطرة وحالات الطوارئ.

تجزئة وقت العمل

يُعتَبَر تنظيم وقت العمل عنصرًا أساسيًا في جهود التمويل والإدارة الرامية إلى خفض تكاليف العمالة في قطاع الرعاية الطويلة الأجل. وكما هو موضح في القسم السابق، قد يشكّل تطبيق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أداة تمكّن المؤسسات من مراقبة وقت العمل والتحكم فيه. بالإضافة إلى ذلك، وفي ظل أنظمة الرعاية الخاضعة للتسليع، تساهم كيفية إدارة الوقت، من خلال إدخال أشكال مرنة من العقود وجدولة نوبات العمل، في خفض التكاليف أكثر بعد وبالتالي تدهور نوعية العمل. فحجم العمل بدوام جزئي بين القوى العاملة في مجال الرعاية الطويلة الأجل كبير، ويبلغ ضعف المعدل المتوسط في الاقتصاد الأوسع نطاقًا. فعلى سبيل المثال، يعمل 45 في المائة من العاملين في الرعاية الطويلة الأجل في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي بدوام جزئي. أمّا في الاتحاد الأوروبي، فيقوم العاملون في مجال الرعاية الطويلة الأجل بنوبات عمل متعاقبة، حيث تشير التقارير إلى أنهم يشعرون بأنهم لا يملكون أي رأي في أوقات عملهم، وغالبًا ما يُطلب منهم العمل ليلًا أو خلال العطل أو نهاية الأسبوع في غضون مهل قصيرة (Eurofound, 2020). وقد أدى الاتجاه بين ممولي الخدمات العامة لدفع أجور العاملين مقابل الوقت الذي يقضونه فعلاً في تقديم الرعاية، إلى إدخال أشكال من العقود غير الآمنة. وتشتدّ الضغوط من أجل تحقيق المزيد من المرونة وخفض التكاليف، في النهج الفردية والشخصية لتقديم الرعاية. فإضفاء الطابع الشخصي يعني أن تفضيلات ’الزبون‘ في ما يتعلق بوقت تقديم الخدمات تقع في قلب نموذج الرعاية وتؤدّي دورًا متزايد الأهمية في تنظيم وقت العمل.

ومن السهل أن تتفشى عقود العمل لساعات قصيرة أو بدوام جزئي أو العقود بالساعة أو عقود العمل المنعدمة المدّة في هذا النوع من البيئة الخاضعة للتسليع. والاستخدام المتزايد لهذه الأشكال من العقود بغية تلبية مطالب الممولين ومستخدمي الخدمات من أجل تحقيق قدر أكبر من المرونة والتخفيف من التكاليف، يعني أن أثر معدل الأجر بالساعة محدود في ما يتعلّق بتلقّي العامل أجرًا لائقًا يمكّنه من العيش والاستمرار. وعدد الساعات حاسم، ويمكن لهذه الترتيبات التعاقدية أن تجعل العمال ’متعطشين لساعات عمل‘. ويرتبط العمل بدوام جزئي أيضًا بـ’الحاجة إلى ساعات‘. وتفيد نسبة من العاملين في قطاع الرعاية الطويلة الأجل في الاتحاد الأوروبي (30 في المائة من العاملين في المرافق غير السكنية، و20 في المائة في المرافق السكنية) بأنهم يعملون بعقود بدوام جزئي لأن العمل بدوام كامل غير متاح (Eurofound, 2020).

اعتماد أشكال جديدة من منصات العمل في مجال الرعاية

أصبح من الممكن اليوم تنظيم أعمال الرعاية عبر منصات رقمية، حيث يختار مستخدمو الخدمة من بين مجموعة من مقدمي الرعاية المياومين والمستقلين. وقد شهدت أستراليا أحدث تجربة لنمو مثل هذه الأشكال من العاملين المياومين عبر المنصات. وتطبيق هذه التكنولوجيا يعني أن المنصات الرقمية تمكّن أصحاب العمل من العمل كواجهة إلكترونية بين العاملين ومتلقي الرعاية. وفي هذه الأنظمة الخاضعة للتسليع، يواجه الموظفون مخاطر متزايدة من حيث التكاليف وأنماط المناوبات المجزأة. كما يتم إضفاء الطابع الفردي على العمل من خلال نقل الرعاية من بيئة الوكالة إلى المنازل الخاصة إلى حد كبير، ما يؤدي إلى عزلة العاملين. ويتعرّض دخل العاملين في هذه الأدوار للخطر لأن الممولين لا يمولون حزم الرعاية بشكل ملائم، ما يعني أن المستفيدين من الخدمة لا يستطيعون تغطية زيادات الأجور. وتحاكي هذه الأشكال من العمل العديد من المشاكل التي تواجه أشكال العمل الأخرى غير المستقرة، ومنها إلغاء العمل في آخر لحظة أو المناوبات القصيرة مع تنقلات طويلة غير مجدية اقتصاديًا. ويجري تنظيم مناوبات العمال بشكل متزايد من خلال تطبيقات الهاتف، ما قد يعني تغييرات عشوائية في أنماط المناوبات تعكس التحول إلى العمل بحسب الطلب والعمل عبر المنصات.

اليد العاملة المهاجرة

في ما يتعلق بفهم مستويات الضعف التي تعاني منها الفئات المختلفة في القوى العاملة في مجال الرعاية، يجب التركيز على اليد العاملة المهاجرة. فالرعاية التي يقدمها العمال المهاجرون تسدّ الثغرات البارزة في أنظمة الرعاية الطويلة الأجل في البلدان الغنية. ومن جديد، تشكّل النساء الغالبية العظمى من العاملين المهاجرين في مجال الرعاية. ومعظم حركات الهجرة مدفوعة بأسباب مالية، أو بسبب ظروف العمل السيئة أو عدم القدرة على العثور على وظيفة في بلدان الأصل. وكما هي الحال في دراستَي الحالة في الهند وفيجي، يكمّل المهاجرون إلى حد كبير العمل المدفوع الأجر وغير المدفوع الأجر في البلدان المتقدمة ذات الدخل المرتفع من أجل سد النقص في العمالة الوطنية الناجم عن تقييم أعمال الرعاية بأقل من قيمتها.

ويعاني العمال المهاجرون بأشكال متعدّدة من الحرمان. كما يبرز خطر الاتجار بالبشر وسوء المعاملة، فضلاً عن التحديات التي تواجه أنظمة الرعاية في بلدان المصدر من حيث التسبّب في النقص في هؤلاء العمال أو المساهمة في تفاقمه. وستزداد الضغوط بين بلدان المصدر مع بدء شيخوخة سكانها واحتياجهم للخدمات في العقود القادمة. بالإضافة إلى المساوئ الجنسانية، يواجه هؤلاء العمال تمييزًا على أساس العرق والإثنية والجنسية. وقد ينتمون إلى طبقة محرومة اقتصاديًا، كما قد يمنعهم وضعهم كمهاجرين من الحصول على حقوق عمالية واجتماعية وسياسية محدّدة في البلد الذي يستقرون فيه.

وتكشف دراستا الحالة في فيجي والهند كيف أن ما يسمى بالبلدان المرسلة تعاني أيضًا من الحرمان في ’سلاسل قيمة الرعاية‘ هذه. فعلى الرغم من أن بلدانًا مثل الهند قد تستفيد من التحويلات المالية التي يرسلها العاملون في مجال الرعاية الطويلة الأجل إلى أسرهم في بلدانهم الأم، تؤدّي تدفقات الهجرة هذه إلى نقص في عدد العاملين في بلدانهم.

ظروف العمل غير المقبولة وسوء جودة الرعاية

إن تدني الأجور وانعدام الأمن اللذين يواجهان العاملين في مجال الرعاية في الأنظمة الخاضعة للتسليع هو اقتصاد زائف حيث يعاني العديد من الخدمات بعد ذلك من دوران مزمن ونقص في العمالة، ما يؤثر على ميزانيات القطاع العام من خلال دوّامات الاستخدام والتوجيه والتدريب اللامتناهية. أمّا على مستوى الخدمات الشخصية، فإن انخفاض الأسعار أو التنفيذ الموازي لتدابير التقشف، ينعكس آثارًا سلبية على جودة الرعاية. فغالبًا ما يبقى العاملون غير قادرين على تقديم أنواع الخدمات التي يتصوّرها المدافعون عن حقوق الإنسان وذوي الإعاقة المرتبطة ببرامج المال مقابل الرعاية.

إن الصلة بين النقص في الموظفين وجودة الخدمة عميقة للغاية. فعلى سبيل المثال، خلال فترات الإغلاق في ذروة جائحة كوفيد-19، ساهم ارتفاع نسبة الموظفين في وحدات الرعاية الطويلة الأجل السكنية إلى انخفاض في عدد الوفيات. وقد أتى ذلك نتيجة اضطرار العاملين إلى التنقل بشكل أقل بين متلقي الرعاية، ما خفّف من خطر الإصابة بالعدوى. لكن، خلال تفشي الجائحة، أفادت التقارير بأن انخفاض الأجور وعدم الحصول على إعانات أخرى أدّى إلى ارتفاع عدد الإصابات بين الأشخاص الضعفاء. ففي المملكة المتحدة مثلًا، وفي أوساط العمال ذوي الأجور المنخفضة والعقود غير الآمنة، تفشّى الفيروس بين العاملين لدى مقدمي الخدمات من القطاع الخاص، الذين لم يبلّغوا عن الإصابة أو الذين لم تظهر عليهم أعراض العدوى. وارتبط عدم الإبلاغ هذا بعدم وصول العمال إلى الإعانات المرضية. وعلى مر السنين، شملت الوفرة التي حققها مقدمو الخدمات من القطاع الخاص بغية تحقيق الأرباح، تقليص الإعانات المرضية. وقد يعمل العاملون في مجال الرعاية في كثير من الحالات في وظائف متعددة من أجل تغطية نفقاتهم. ومن جديد، وفي زمن تفشي جائحة كوفيد-19، كان هذا يعني أن العمال نقلوا الفيروس إلى الأشخاص الضعفاء لأنهم كانوا يتنقلون بين مؤسسات مختلفة/ دور رعاية متعددة.

كوفيد-19 والرعاية الطويلة الأجل

أثارت أزمة كوفيد-19 مشاكل بارزة في مراكز الرعاية الطويلة الأجل في جميع أنحاء العالم، حيث أن النقص التاريخي في التمويل يعني أن الأنظمة الوطنية كانت غير مستعدّة بشكل عام للاستجابة للمشاكل التي ولّدتها الجائحة، مثل اتخاذ تدابير صارمة للوقاية من العدوى ومكافحتها، واستيعاب تكاليف معدات الحماية الشخصية، وتلبية احتياجات الموظفين على مستوى التدريب، والتعامل مع غياب العمال بداعي المرض. وسُجِّلَت الوفيات الناجمة عن كوفيد-19 بأغلبيتها بين كبار السن، حيث بلغت 93 في المائة بين من تتراوح أعمارهم بين 60 و65 عامًا فأكثر، و58 في المائة بين من تتراوح أعمارهم بين 80 و85 عامًا (OECD, 2021a).

وفي حين أن الضعف بين السكان المسنين يُفَسِر جزئيًا هذه الأرقام، فقد أمسى من الواضح بشكل متزايد أن مكان الرعاية هو المساهم الأساسي في حالات الوفيات هذه. فالمرافق المكتظة والعالية الكثافة بالمقيمين فيها، في موازاة الإشغال المشترك، من الخصائص المشتركة لدور الرعاية الطويلة الأجل السكنية التي سجّلت معدلات وفيات أعلى. ويرتبط بذلك أيضًا بتدهور جودة الأدوات والتجهيزات، حيث وجدت الدراسة نفسها أنه في بداية الجائحة، لم يعتمد سوى نصف البلدان مبادئ توجيهية لمكافحة العدوى (OECD, 2021a).

كان للجائحة أثر بالغ على نظام الاستخدام. ويُلقي المعلقون جزءًا كبيرًا من اللوم لارتفاع عدد الوفيات بين العاملين في قطاع الرعاية الطويلة الأجل، على الاستخفاف بقيمة الرعاية والقوى العاملة فيها. وقد تجلّت الأولوية المنخفضة الممنوحة للرعاية الطويلة الأجل والقوى العاملة فيها في التأخير في توزيع معدات الحماية الشخصية وفي إجراء الفحوصات للموظفين في المراحل الأولى من تفشي الجائحة. وفي بلدان مثل كولومبيا والجمهورية التشيكية، كان على العاملين المساهمة في شراء معدات الحماية الشخصية التي يحتاجون إليها (OECD, 2021).

نسب ملاك الموظّفين

إنّ العجز في التمويل الذي تعاني منه معظم أنظمة الرعاية الطويلة الأجل قد توسّع وشمل العاملين في الخطوط الأمامية الذين أمسى عددهم غير كافٍ. وقد وجد بعض الدراسات أن خطر الوفاة من كوفيد أعلى من المتوسط في المرافق الربحية، ويرتبط ذلك بشكل أساسي بانخفاض نسب ملاك الموظفين والتصميم القديم للمرافق. بالإضافة إلى ذلك، كان تدريب العاملين على اكتشاف حالات كوفيد وعزلها بطيئًا في بعض مرافق الرعاية الطويلة الأجل.

وليس من المستغرب أنّ جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي تقريبًا اتّخذت التدابير اللازمة لاستخدام المزيد من العاملين في قطاع الرعاية الطويلة الأجل بغية معالجة النقص المذكور أعلاه في الموظفين. وشمل ذلك توفير الأموال لمرافق الرعاية الطويلة الأجل، ويمكن استخدامها من أجل تغطية تكاليف الاستخدام، بما في ذلك استخدام المتقاعدين أو العاطلين عن العمل أو الطلاب. بالإضافة إلى ذلك، برز ارتفاع في المدفوعات لمرةّ واحدة الرامية إلى مكافأة العاملين الذين يعملون في ظلّ ضغوط بالغة. وقدمت 40 في المائة تقريبًا من دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي مكافآت لمرة واحدة إلى العاملين لديها مقابل الخدمة الاستثنائية. وقام عدد قليل من البلدان بتحسين الأجور بشكل دائم (هي ألمانيا والجمهورية التشيكية وكوريا وفرنسا). وشملت التدابير الأخرى، المتعلقة بنظام الهجرة، تمديد مؤقت لتأشيرات دخول العمال الأجانب في قطاع الرعاية الطويلة الأجل. وحدها كولومبيا واليونان ولاتفيا لم تتخذ أي تدابير محدّدة في هذا الصدد (OECD, 2021a).

الغياب بداعي المرض

من بين أسباب تفشي الفيروس تنقّل العمال، فالعديد منهم يشغلون أكثر من وظيفة واحدة. وفي جميع بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، يعمل 45 في المائة من العاملين في مجال الرعاية الطويلة الأجل بدوام جزئي، ويشغل العديد منهم وظائف متعددة لكسب عيش كريم. وكان العاملون في قطاع الرعاية الطويلة الأجل أكثر عرضة لأخذ إجازات مرضية من العاملين في غير الرعاية الطويلة الأجل أو لديهم مستويات مرضية مسجلة أعلى مقارنةً مع فترة ما قبل الجائحة. وأدى غياب الموظفين إلى صعوبة في تزويد الخدمات بالموارد الكافية أو توفير مستويات الخبرة المطلوبة. كما أنّ الذين تُركوا في العمل عانوا من زيادة في أعباء العمل ومن ثغرات في معدّل متلقي الرعاية إلى الموظفين، ما أدى إلى زيادة تنقّل العمال وبالتالي ارتفاع عدد الإصابات بالعدوى في قطاع الرعاية الطويلة الأجل (OECD, 2021a).

يؤدي انخفاض الإعانات المرضية أو انعدامها إلى تكلفة مالية كبيرة بالنسبة إلى الموظفين ويجبر الكثير من العاملين في قطاع الرعاية الطويلة الأجل على البقاء في العمل أثناء إصابتهم بكوفيد-19 (OECD, 2021a). ويتجلّى الضعف بشكل واضح بين العمال الذين يعملون بعقود عمل منعدمة المدّة عندما يصابون بالعدوى. فقد يعني وضعهم التعاقدي أنهم من بين أولئك الذين لا يتلقون أي شكل من أشكال الأجور بسبب المرض. ففي المملكة المتحدة، حتى في الحالات التي تتوفَّر فيها مدفوعات الإجازة المرضية، لا يتلقى العديد من الموظفين، لا سيما في مرافق الرعاية الطويلة الأجل، سوى مدفوعات الإجازة المرضية الإلزامية، وهي من بين أدنى المدفوعات في حالة المرض في بلدان الشمال. وقد حظيت هذه القضايا باهتمام المنظمات (ومنها منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي) والنقابات العمالية، وكذلك الأكاديميين (Elsen, 2020) الذين أفادوا بضرورة إعادة إدارة الغياب وهياكل الإجازات المرضية المدفوعة الأجر على جداول أعمال المفاوضة النقابية وصنع السياسات.

في أعقاب جائحة كوفيد-19، سلّطت النقابات المنتسبة الضوء على حملة الاتحاد الدولي للخدمات العامة في جنوب آسيا بشأن العاملين في مجال الصحة المجتمعية فيما يتعلق بتحسين الصحة ومعدات الحماية الشخصية. وضمن إطار هذه الحملة، تمّ استخدام اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 149 بشأن العاملين بالتمريض، التي تتطلب من الدول المصدقة عليها الالتزام بتعليم وتدريب العاملين المؤهلين بالتمريض وتحسين ظروف العمل والاستخدام، بما في ذلك الآفاق الوظيفية والأجور. أما على المستوى الإقليمي فيروّج الاتحاد الدولي للخدمات العامة للتصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية هذه، ولديه استراتيجيات لحملاته ذات الصلة.

عاش العمال المهاجرون حالات ضعف في زمن تفشي جائحة كوفيد-19، إذ سرعان ما أغلقت مختلف البلدان حدودها، ما أدى إلى عزل العمال عن أسرهم (WHO, 2020). ومع ذلك، وكما يتبين من دراسات الحالة الفردية، تأثرت أنظمة الرعاية الطويلة الأجل في بلدان الشمال بكوفيد وغيرها من الأزمات الخارجية، وأصبحت اليوم أكثر اعتمادًا على العمال المهاجرين. وهذا يطرح أسئلة بشأن ظروف عمل هؤلاء العمال وحقوقهم.

ويجب أن يُنظر في المستقبل إلى قضايا معالجة النقص في الموظفين وظروف العمل والتوعية والامتثال للصحة والسلامة المهنيتَيْن في قطاع الرعاية الطويلة الأجل على أنها من الأولويات. وقد اعتمدت 30 دولة على الأقل سياسات لتحسين الوصول إلى معدات الحماية الشخصية و24 دولة منحت الأولوية لفحص المقيمين في دور الرعاية والعاملين فيها. كما اعتمد 26 بلدًا على الأقل من بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي سياسات لزيادة أعداد الموظفين، منها تمويل استخدام موظفين جدد وطلاب. وهناك أيضًا تركيز أكبر على النظافة، بما في ذلك تدريب العاملين في هذا الصدد (OECD, 2021a).

فيما لا تزال جائحة كوفيد-19 تشكّل تهديدًا نشطًا، يحتاج النشطاء في مكان العمل والنقابات المنتسبة إلى الاتحاد الدولي للخدمات العامة إلى التحقيق في كيفية إدارة المؤسسات لحالات الغياب بداعي المرض والحضور إلى مكان العمل في حالة المرض. ومن الضروري للغاية التركيز على سياسات الغياب بداعي المرض بسبب الإشارة إلى أن الأساليب الحديثة لإدارة عدم الحضور قد تكون قسرية وعقابية، وتركّز حصرًا على الغياب الكاذب. وقد أدت ثقافات الغياب في مكان العمل هذه إلى حضور العمال إلى العمل وهم في حالة مرض، وهو سلوك مثير للقلق أثناء الأزمات الصحية.

انخفاض مستويات الانتساب إلى نقابة

يؤدّي وجود وتمثيل منظمات العمال التي تغطي العاملين في مجال الرعاية، بالإضافة إلى تغطية آليات الحوار الاجتماعي، بما في ذلك المفاوضة الجماعية، دورًا بارزًا لا في تحديد أجور وظروف عمل العاملين في مجال الرعاية فحسب (ILO, 2018) بل أيضًا في النضال من أجل تحسين توفير الرعاية الطويلة الأجل.

في أنظمة الرعاية الخاضعة للتسليع، يبقى نفوذ النقابات محدودًا، حيث يتمّ تلزيم الاستخدام إلى الخارج، في مجالات تكون فيها المفاوضة الجماعية ضعيفة مقارنة مع الاستخدام المباشر عبر القطاع العام. وكان مقدمو الرعاية الطويلة الأجل في القطاعَيْن الخاص والتطوعي، غير منتسبين إلى نقابة إلى حد كبير. وتنبع القيم المناهضة للنقابات من المخاوف من أن تؤدي أنشطة مثل الإضرابات وغيرها من أشكال الاحتجاج إلى تعطيل الخدمات والمهام، أو الحدّ من توليد الأرباح في حالة مقدمي الخدمات من القطاع الخاص. بالإضافة إلى ذلك، تبرز مشاكل في تعبئة القوى العاملة في قطاع الرعاية الطويلة الأجل في القطاعَيْن الخاص والتطوعي، وجذبها إلى النقابات. ويعود سبب ذلك إلى عدم وجود تقليد يقضي بالانتساب إلى نقابة، وبالتالي فإن عدد المنتسبين إلى نقابة منخفض جدًا مقارنة مع القطاعات الأخرى. وهناك غياب تام ’لأماكن الاجتماع والتواصل‘ (على غرار بوابة المصنع) كما أنّه ما من مدرسة أو مستشفى أو مكاتب إدارية في القطاع العام يمكن من خلالها التواصل مع العمال بطريقة جماعية. ويعمل العاملون في قطاع الرعاية الطويلة الأجل بدوام جزئي ومجزّأ، وأحيانًا بمفردهم وفي المجتمع المحلي أو في منازل الناس، وبالتالي يصعب الاتصال بهم. كما أنّ التقليد الذي يقضي بالعمل النقابي فمحدود وبالتالي يبقى العمال غير متأكدين مما يمكن أن تقدمه لهم الحركة النقابية. كما أن هناك تصور بأن العاملين في الرعاية الطويلة الأجل يخشون النقابات بسبب تأثير الإضرابات وغيرها من الاضطرابات على مستخدم الخدمة.

وحيثما يكون للنقابات وجود في مقدمي الخدمات من القطاع الخاص وغير الربحي، فإن تأثير سلسلة التوريد والاعتماد على الموارد يجعل احتمالات المفاوضة الجماعية الفعالة محدودة للغاية. وعلى وجه التحديد، فإن تسويات التمويل الدون التضخمية، التي تقدّمها الحكومات إلى مقدمي الخدمات، تجعل احتمال أن تواكبَ المفاوضةُ الجماعية على الأجور في مقدمي الخدمات الذين يستعينون بمصادر خارجية ظروفَ العاملين في القطاع العام، معدومًا بالكامل.

وتعود هذه القيود المفروضة على المفاوضة الجماعية إلى عدّم أسباب، منها:

  • أولاً، على عكس القطاع العام، قد تجري المفاوضة الجماعية عامةً على مستوى المؤسسة فلا تخضع لاتفاقات وطنية.

  • ثانيًا، تعمل الدولة على مستوى المؤسسة بصفة ’صاحب عمل ثالث‘، حيث تحدد تسوية التمويل التي تشكّل اتفاقات الأجور فيما لا تشارك بشكل مباشر في المفاوضات. وبالتالي، لا تتمتع النقابات في ترتيبات المفاوضة اللامركزية بسلطة المساءلة أو التفاوض مع الوكالة (الوكالات) الحكومية التي تتحكّم بالأموال. بالإضافة إلى ذلك، هذا يعني أنه من الصعب على النقابات إلقاء اللوم على صاحب العمل المباشر وتعبئة العمل الجماعي ضدّه في حالة انخفاض الأجور.

كما أنّه للخدمات الفردية والشخصية آثار على المفاوضة الجماعية والتنظيم في القطاع.

تسلّط دراسات الحالة الضوء على الطريقة التي يمكن أن توفر بها المفاوضة الجماعية الحماية للعاملين في قطاع الرعاية الطويلة الأجل الذين يصعب الوصول إليهم. ففي فرنسا وأستراليا مثلًا، تغطي الاتفاقات الجماعية على مستوى القطاع التي تفاوضت عليها النقابات، العاملين في الرعاية الطويلة الأجل الذين قد يكونون غير منتسبين إلى نقابات. بالإضافة على ذلك، تتّبع اسكتلندا حاليًا سياسة لإطلاق مفاوضة جماعية على مستوى قطاع الرعاية الطويلة الأجل ككلّ. وفي شيلي، ترسّخ النقابات حقوق العمال في صميم حملاتها الأوسع نطاقًا المرتبطة بالتغيير الدستوري وإنشاء نظام قائم على الحقوق في الرعاية الطويلة الأجل.

تشير دراسات الحالة إلى الأهمية الحاسمة لامتلاك النقابات المنتسبة إلى الاتحاد الدولي للخدمات العامة الموارد اللازمة لمواكبة خطط العمل المذكورة أعلاه، بما في ذلك معلومات السوق. ويشمل ذلك بلدان الشمال مثل فرنسا وأستراليا واسكتلندا التي تتمتّع بالقدرة على تحقيق قدر أكبر من الشفافية في ما يتعلق بأنشطة الشركات متعددة الجنسيات. ومع ذلك، تسلّط حالة الهند الضوء على ضرورة أن تكون النقابات قادرة على الوصول إلى الموارد التي من شأنها أن توفّر لها المزيد من المعلومات الأساسية، في ما يتعلق مثلًا بنوع مقدمي الخدمات، وكيفية تنظيمهم للعمل وممارسات الاستخدام في قطاع الرعاية الطويلة الأجل. بالإضافة إلى ذلك، تكشف حالة الهند كيف تحتاج النقابات في دول الجنوب إلى معلومات أساسية عن سوق العمل في ما يتعلّق بحجم القوى العاملة في الرعاية الطويلة الأجل وتركيبتها الديموغرافية، وكذلك درجة الطابع الرسمي وغير الرسمي في علاقات الاستخدام.

إنّ تموضع النقابات الاستراتيجي أمر بالغ الأهمية، وكذلك المناصرة النقابية المستمرة لإدارة الرعاية الطويلة الأجل من قبل القطاع العام. وفي فرنسا، شكّل الكشف عن التلاعب بالأموال العامة من قبل مقدمي الخدمات الربحية مثل Orpea، ما أدى إلى ظروف مروعة لكبار السن الضعفاء، وإلى أشكال غير مقبولة من العمل بالنسبة إلى العاملين في قطاع الرعاية الطويلة الأجل، وعدم وجود أعداد كافية من العمال المستعدين للعمل في هذا القطاع، أمرًا حاسمًا في هذه المناصرة. كما قدّم الاتحاد العمالي الديمقراطي الفرنسي حجة مقنعة لإذكاء الوعي المجتمعي والسياسي بالقيمة الاجتماعية والاقتصادية للرعاية التي يقدمها العاملون في قطاع الرعاية الطويلة الأجل، مشيرًا إلى أنّ تمويل قطاع الرعاية الطويلة الأجل، بما في ذلك من خلال التوظيف الإضافي وإضفاء الطابع المهني والاعتراف بالمهارات وتحسين الأجور، يجب أن يُنظر إليه على أنه استثمار في الرعاية الكريمة للمسنين المعالين (CFDT 2019).

تم استخلاص العِبَر من أزمة كوفيد-19 التي يمكن الاستفادة منها في حملات التنظيم النقابي وأجندات المفاوضة في قطاع الرعاية الطويلة الأجل. منها:

  • يرتبط ارتفاع نسبة الموظفين مباشرة بانخفاض عدد الإصابات بالعدوى والوفيات؛

  • إنّ التخفيف من تنقّل الموظفين (من خلال معدّلات أعلى من الاستخدام) يخفّض من خطر الإصابة بالفيروس؛

  • لا يمكن حل مشكلة النقص في الموظفين إلا من خلال تحسين الاستخدام ونوعية الوظائف، لا سيما زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل؛

  • البدء في تحسين الأجور من خلال توحيد المكافآت الممنوحة عندما بلغت الجائحة ذروتها؛

  • تطوير معايير السلامة والتدريب المناسب للموظفين في موازاة معايير المراقبة والإنفاذ؛

  • يجب أن تشكّل صحة الموظّفين النفسية ورفاههم الأولوية، بما في ذلك تدريب المديرين على الصحة النفسية والجسدية؛

  • إدراك حالة عدم اليقين التي يعيشها العمال الذين يعانون من كوفيد-19 الطويل الأمد (OECD, 2020; OECD, 2021b).

التحديات الأساسية التي تعيق تنظيم العمال

الرجاء الضغط على المواضيع التالية للاطلاع على التحديات القائمة حاليًا التي تهدّد النقابات في القطاع وتعيقها

المفاوضة الجماعية في القطاع العام

يعيق العديد من القضايا السياقية الأوسع نطاقًا والقضايا الخاصة بالقطاع تنظيم القطاع العام وتصعّبه على النقابات في السنوات المقبلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الهجمات على قدرة النقابات التنظيمية. وتتعرّض النقابات لضغوط منذ عدة عقود من حيث قدرتها على التنظيم وحماية أعضائها. أمّا مجموعة العوامل التي أثّرت على هذا الضعف المتزايد فتشمل السياق الاقتصادي والسياسي والتغيرات التي طرأت على سوق العمل. ولطالما اعتُبرت نقابات القطاع العام تقليديًا أكثر قدرة على المواجهة والصمود من حيث الحفاظ على موقفها التفاوضي وعضويتها وتغطيتها وقدرتها التنظيمية.

وعلى الرغم من ذلك، تواجه نقابات القطاع العام عددًا من المشاكل في تنظيم نقابات الرعاية الطويلة الأجل وتمثيل العاملين فيها. أوّلًا، لم تكن هذه النقابات بمنأى عن القوى التي أدت إلى بعض التراجع في نفوذها وقوتها في العديد من البلدان. كما أنّ الأزمة المالية العالمية تشكّل مصدرًا للعديد من السياسات الاقتصادية النيوليبرالية التي قوضت قوة نقابات القطاع العام في السنوات العشر الماضية. وقد وفّرت الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من سياسات تقشف نقطة التقاء عززت من خلالها الحكومات أيديولوجية سيطرة السوق الحرة على المجتمع وعلى أحد أشكال مقاومتها، وهي النقابات العمالية والمفاوضة الجماعية. وقد كان الاتّجاه الشائع في الدول القومية هو تعريف الأزمة المالية العالمية على أنها أزمة دين عام، وإلقاء اللوم على النقابات وأعضائها (لا سيّما في القطاع العام).

وقد أدى هذا الخطاب إلى سلسلة من الإصلاحات السياساتية التي طالت المفاوضة الجماعية في القطاع العام والأمن النقابي، والمصممة لتعزيز سياسات التقشف الانكماشية. ففي الاتحاد الأوروبي مثلًا، انخفضت تغطية المفاوضة الجماعية، أي نسبة الموظفين الذين يتم تحديد شروط وظروف عملهم عبر المفاوضة الجماعية، نتيجة فقدان الوظائف والإصلاحات المختلفة.

بالإضافة إلى ذلك، تعرّضت دول الاتحاد الأوروبي لضغوط من أجل التخفيف من دفع المستحقات والانخراط في أشكال من المفاوضة على الامتيازات، أي قبول النقابات بتخفيض شروط وظروف العمل، وفي الكثير من الحالات على أساس مؤقت، مقابل الأمن الوظيفي. وكانت الضغوط المذكورة أعلاه واضحة أيضًا على المستوى الذي يتم فيه تقديم قسم كبير من الرعاية الطويلة الأجل، أي على مستوى الحكومات المحلية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. قد فرضت الدول القومية تخفيضات تقشفية على هذا المستوى من الإدارة.

وفي أميركا الشمالية أيضًا، أعقبت اعتداءاتٌ على النقابات الأزمةَ المالية العالمية، حيث وجد العداء السياسي الطويل الأمد للحركة النقابية زخمًا أكبر في الولايات المتحدة وكندا (وهي دولة لم تعاني من المشاكل المالية التي عانت منها الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي بنفس الدرجة). وقد أتاحت الأزمة المالية العالمية فرصًا أمام المحافظين للدعوة إلى الانضباط المالي وتقليص حجم الأصول العامة وخصخصتها، حيث تحول اللوم عن الأزمة إلى النقابات وأعضائها في القطاع العام. وفي كلا البلدَيْن، تعرّضت معاشات التقاعد والأجور للتهجّم، وواجهت النقابات جهودًا على مستوى الولايات أو المقاطعات ترمي إلى إلغاء الحق في المفاوضة على مجالات محددة، مثل معاشات التقاعد والإعانات الصحية، بالإضافة إلى فرض قيود على زيادة الأجور. كما أن هذه الهجمات على النقابات وأعضائها كانت في الغالب ذات طابع جندري، أي أنها وقعت على المهن التي يغلب عليها عدد النساء، بما في ذلك رعاية كبار السنّ.

التنافس على الموارد

أولاً، حتى عندما تكون النقابات تقليديًا أقوى و/أو تتمتّع بتاريخ في التنظيم في القطاع العام، فإن نطاقها التنظيمي وبالتالي قدرتها على التأثير على عمّال الخدمة العامة في مجال الرعاية الطويلة الأجل يبقى صعبًا. كما أن العديد من البلدان تلزّم خدماتها إلى مؤسسات تطوّعية وخاصة بنسبة كبيرة، بغية توفير خدمات الرعاية الطويلة الأجل، حيث حضور النقابات لا يُذكَر.

ينطوي التلزيم إلى الخارج والاستعانة بمقدمي الخدمات من القطاع الخاص والمنظمات غير الربحية، إلى جانب ضعف النشاط النقابي في القطاع العام، على بعض الخيارات الصعبة بالنسبة إلى النقابات من حيث تخصيص الموارد. وقد تقوم نقابات القطاع العام بالتنظيم عبر القطاعَيْن العام والخاص والقطاع غير الربحي. وسترغب النقابات في إعادة بناء وتعزيز أماكن عملها التقليدية في القطاع العام، حيث لا يزال للعاملين في مجال الرعاية الطويلة الأجل وجود. وفي أنظمة الرعاية الخاضة للتسليع، يكون تأثير النقابات محدودًا لأن مقدمي الرعاية من القطاعَيْن الربحي وغير الربحي كانوا تقليديًا إلى حدّ كبير غير منتسبين إلى نقابة. وبالتالي، يبرز تنافس على الموارد داخل النقابات في القطاع لكن أيضًا مع مجالات أخرى من القطاع العام.

معاداة النقابات في الخدمات المُلَزَّمة إلى الخارج

تنبع القيم المناهِضة للنقابات من المخاوف من أن تؤدي أنشطة مثل الإضرابات وغيرها من أشكال الاحتجاج إلى تعطيل الخدمات والمهام، أو إلى الحدّ من توليد الأرباح في حالة مقدمي الخدمات من القطاع الخاص. وفي حالة شركات الرعاية الطويلة الأجل الخاصة، لم يتمّ بذل أي جهد يُذكَر لجذب مقدمي الخدمات من القطاع الخاص إلى نقابة لأن قلة قليلة منهم تعترف بالنقابات أصلًا. لكن، حيثما توجد النقابات، يتعين عليها التعامل مع عدد من القضايا. وقد تكون هوامش أرباح بعض مقدمي الخدمات صغيرة، ما يجعل من الصعب للغاية التفاوض على الأجور. وفي حالات أخرى، حيث قد تكون الأسهم الخاصة متوفّرة، فإن الهندسة المالية المعقدّة المرتبطة بهذه الأشكال من الملكية تصعّب المفاوضة بسبب الافتقار إلى الشفافية في تمويل هذا النوع من المؤسسات.

تجلب المنظمات غير الربحية مشاكلها الخاصة. فالتمسك بقيم محدّدة ورسالة معينة وحقوق مجموعات معينة من المستخدمين قد يؤدّي في الكثير من الأحيان إلى المساس بحقوق العمال. ويُنظر إلى النقابات على أنها تشكّل حاجزًا يعيق المرونة وأشكال التضحية المتوقعة من العاملين غير الربحيين من أجل تقديم الخدمات. وردًا على مقاومة النقابات، من المعروف أن بعض مقدمي الخدمات غير الربحيين يعبّرون عن مواقف معادية للنقابات مماثلة لتلك التي يبديها أسوأ أصحاب العمل الربحيين. وقد أدى ذلك إلى حالات من الحرمان من الحقوق التفاوضية.

اليد العاملة المهاجرة

إنّ نمو عدد العمال المهاجرين في قطاع الرعاية من التعقيدات الأخرى المرتبطة بالنقابات. فهؤلاء العمال هم من بين أكثر العاملين في قطاع الرعاية الطويلة الأجل ضعفًا، بسبب الاستغلال في ما يتعلق بساعات العمل وغيرها من شروط وظروف العمل. ومع ذلك، يصعب الوصول إليهم للعديد من الأسباب المذكورة أعلاه. بالإضافة إلى ذلك، قد يأتي العمال المهاجرون الجدد إلى مكان العمل بمعرفة أو خبرة محدودة بالنقابات. وفي بعض الحالات، قد تكون خبرتهم بالنقابات سلبية، كما كانت الحال مع بعض المهاجرين من أوروبا الشرقية حيث ارتبط مبدأ الجماعية بالأنظمة الشيوعية السابقة. كما أن ضعف العمال المهاجرين يجعل من الصعب تنظيمهم لأنّهم قد يتردّدون في أن يُنظر إليهم على أنهم ’يسببون المتاعب‘، وقد تتمتّعون بقدر محدود من الحقوق.

الافتقار إلى القدرة على التفاوض

حتى عندما تكون النقابات قائمة في مقدمي الخدمات الربحية وغير الربحية، فإن تأثير سلسلة التوريد وتبعية الموارد يحدّ من احتمالات المفاوضة الجماعية الفعالة. وعلى وجه التحديد، فإن تسويات التمويل الدون التضخمية، التي تقدّمها الحكومات، كما هي الحال في بلدان منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي التي اخترناها، تجعل احتمال أن تواكبَ المفاوضةُ الجماعية على الأجور في مقدمي الخدمات الذين يستعينون بمصادر خارجية ظروفَ العاملين في القطاع العام، معدومًا بالكامل. وتعود هذه القيود المفروضة على المفاوضة الجماعية إلى عدة أسباب. أولاً، على عكس القطاع العام، قد تجري المفاوضة الجماعية عامةً على مستوى المؤسسة فلا تخضع لاتفاقات وطنية. وثانيًا، تعمل الدولة على مستوى المؤسسة بصفة ’صاحب عمل ثالث‘، حيث تحدد تسوية التمويل التي تشكّل اتفاقات الأجور فيما لا تشارك بشكل مباشر في المفاوضات. كما لا تتمتع النقابات في ترتيبات المفاوضة اللامركزية بسلطة المساءلة أو التفاوض مع الوكالة (الوكالات) الحكومية التي تتحكّم بالأموال. بالإضافة إلى ذلك، هذا يعني أنه من الصعب على النقابات إلقاء اللوم على صاحب العمل المباشر وتعبئة العمل الجماعي ضدّه في حالة انخفاض الأجور. وحتى عندما تكون النقابات قائمة، فإن الجمع بين الاعتماد على الموارد في جوّ من التقشف يعني أن النقابات قد تعمل في سياق من ’المساومة التنازلية‘ شبه دائمة، وبالتالي تكافح من أجل إحداث أثر على رفع أجور العمال، كما كان الحال في أستراليا من حيث المفاوضة المؤسسية في مجال الرعاية الطويلة الأجل.

الخدمات الفردية والشخصية

للخدمات الفردية والشخصية آثار على المفاوضة الجماعية والتنظيم في القطاع. فالأبحاث السابقة تعترف بالطريقة التي يؤثّر فيها متلقي الرعاية على طبيعة العمل والعلاقات الصناعية في الخدمات العامة عبر ثلاثة مستويات. الأول هو التصميم المشترك، حيث يقوم مستخدم الخدمة بإدخال احتياجاته ويساهم في تطوير الخدمة. والثاني هو الإنتاج المشترك، الذي يسمح لمستخدم الخدمة بالتأثير على التقديم التشغيلي للخدمات. ثالثًا وأخيرًا، الإشراف المشترك الذي يمكّن مستخدم الخدمة من محاسبة المسؤولين عن تقديمها (Bellemare, 2000). ومع ذلك، فإن نفوذ وسلطة مستخدمي الخدمة في هذه الرامج الفردية ليسا بشاملَيْن، حيث أنّ الكثير يعتمد على القوة والنفوذ النسبيَّيْن للجهات الفاعلة الأخرى في العلاقات الصناعية، أي الموظفين والنقابات والإدارة (Bellemare, 2000).

الآثار المترتبة على تأثير النقابات والتنظيم في قطاع الرعاية الطويلة الأجل

يؤدّي وجود وتمثيل منظمات العمال التي تغطي العاملين في مجال الرعاية، بالإضافة إلى تغطية آليات الحوار الاجتماعي، بما في ذلك المفاوضة الجماعية، دورًا بارزًا في تحديد أجور وظروف عمل العاملين في مجال الرعاية (ILO, 2018). وتحدّد ليديا هايز (Lydia Hayes (2017)) ثمانية أسباب وراء الحاجة إلى المفاوضة الجماعية في قطاع الرعاية الطويلة الأجل.

هي:

 

·       تشكّل الرعاية الطويلة الأجل للبالغين قطاعًا بحدّ ذاته

·       تتطلّب أعمال الرعاية مهارة عالية ومتزايدة التعقيد

·       شروط وظروف العمل غير مستقرة

·       إنّ تدهور نوعية الوظائف يعني تدهور نوعية الرعاية

·       الحقوق الفردية (القانونية وغيرها) غير كافية لمعالجة هذه المشاكل

·       يتم إسكات العاملين في مجال الرعاية من خلال هيكل أسواق الرعاية

·       يتعين على الحكومة تحسين جودة الاستخدام في مجال الرعاية الاجتماعية

·       من شأن المفاوضة الجماعية أن تستحدث فرص العمل اللائق وأن تحسّن جودة الرعاية

 

ما الذي يمكن أن تقوم به النقابات؟

في ضوء النتائج الواردة في التقرير المستقل، بما في ذلك دراسات الحالة، نوصي بالتركيز على ما يلي:

  • إطلاق حملة تروّج لمبدأ أن العمل اللائق يدعم الرعاية الطويلة الأجل العالية الجودة.

  • اعتماد المبادئ الستة المبينة في هذا التقرير كمسار للحملة من أجل العمل اللائق والرعاية الطويلة الأجل اللائقة والجيّدة النوعية.

  • إطلاق حملة من أجل دمج مبادئ العمل اللائق في عملية صنع القرار في الهيئات العامة المسؤولة عن المشتريات وتفويض الخدمات في قطاع الرعاية الطويلة الأجل.

  • إخضاع جميع مقدمي الخدمات الخارجيين لشكل من أشكال المفاوضة الجماعية، حيثما كان ذلك ممكنًا. ويفضَّل أن تكون المفاوضة الجماعية على مستوى القطاع، لكن يجب إيلاء الاهتمام أيضًا لتمثيل مكان العمل وصوته.

  • تقييم استراتيجيات التنظيم القائمة حاليًا في قطاع الرعاية الطويلة الأجل بغية استقطاب العمال من القطاعات العام والخاص والتطوعي بشكل فعّال.

  • الدعوة إلى تحقيق نسب ملائمة بين المستفيدين من الرعاية الطويلة الأجل والعاملين فيها، مع التأكيد على الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19.

  • لإطلاق حملة من أجل تحقيق المزيد من الشفافية في المعاملات المالية للشركات المتعددة الجنسيات بغية ضمان استثمار الأموال العامة بشكل صحيح في الرعاية الطويلة الأجل.

  • إطلاق حملة من أجل الأجر اللائق، على أن تعترف بالاستخفاف بقيمة أعمال الرعاية المدفوعة الأجر الجنسانية، والتفاوت بين العاملين في القطاع العام والعاملين في القطاع الخاص والعاملين المتطوعين، وتآكل المسارات الوظيفية وتصنيفات الأجور والنسبية.

  • القيام بحملة من أجل الوفاء بالتكاليف الكاملة للرعاية بحيث يتم الدفع للعاملين في مجال الرعاية المنزلية مقابل الوقت الذي يتنقلون فيه بين مختلف المرضى.

  • تحسين الإعانات الأخرى غير المتعلقة بالأجر، مع إيلاء اهتمام خاص لزيادة الإجازات المدفوعة الأجر، واستحقاقات التقاعد والأمن الوظيفي.

  • إعادة تنظيم ساعات عمل الموظفين لضمان ترتيبات تحترم العمل اللائق وإنهاء العمالة الناقصة.

  • تفادي التضارب بين العمل والأسرة من خلال معالجة مشاكل نوبات العمل المجزأة.

  • إنهاء استخدام أشكال العقود الاستغلالية مثل عقود العمل المنعدمة المدّة (الشائعة في المملكة المتحدة).

  • ضمان الإصغاء لصوت/ تمثيل العمال عند اعتماد التكنولوجيا الجديدة.

  • إطلاق حملة من أجل تحسين توفير الرعاية الطويلة الأجل من خلال بناء وتعزيز أنظمة الرعاية الصحية القائمة حاليًا. بالنسبة إلى بلدان الجنوب التي من غير المرجح أن تضمّ نظامًا متكاملًا للرعاية الطويلة الأجل، فإن هذا يعني ضمان توفير الخدمات الصحية لكبار السن.

  • جمع بيانات دقيقة من بلدان الجنوب بشأن القوى العاملة في مجال الرعاية المنظّمة وغير المنظّمة.

  • التركيز على ضمان حقوق الاستخدام للعمال غير المنظّمين في بلدان الجنوب، بما في ذلك دفع أجر مناسب بدلاً من المنح والإعانات.

  • التركيز على حقوق العمال المهاجرين في البلدان المستقبِلَة، بالإضافة إلى تشجيع الاعتماد بشكل أكبر على خلق قوة عاملة محلية في مجال الرعاية والحفاظ عليها.


لاستكشاف البحث بكلّ تفاصيله، الرجاء الاطلاع على التقرير الكامل هنا (المتوفّر باللغة الإنكليزية حصرًا)